شفت ذلك في طفولتي
تخيل قاربًا صغيرًا يشق طريقه بهدوء وسط مياه الهور الساكنة، حيث تنحني سيقان القصب والبردي برفق على جانبي المسير، وكأنها تهمس بأسرار الأرض والماء. صوت المجداف حين يلامس سطح الماء هو النغمة الوحيدة التي تُسمع، رتيبة، ناعمة، كأنها دقات قلبٍ عاشق.

الضوء الذهبي للشمس يتخلل أغصان البردي، فيرسم لوحات متراقصة على سطح الماء، والنسيم العليل يحمل عطر الطين والرطوبة والنباتات البرية، ممزوجًا بصفاء لا يشبه إلا صفاء القلب حين يحب.

طيور الهور تحلق فوق القارب، بعضها يغني، بعضها يطفو قريبًا، وكأنها تشارك في طقوس هذا العشق الصامت. اللقالق، البلابل، والبط البريّ، كلها شهود على لحظة صفاء نادرة، حيث تتداخل الطبيعة بالروح.

في هذا الهدوء، في هذا المسير البطيء، ينبض الحب من كل زاوية. قد يكون حبًا لشخصٍ يجلس معك في القارب، أو حبًا للأرض، أو حتى حبًا لنفسك التي وجدت هنا شيئًا من السلام. المسافات تذوب، والكلمات تصبح غير ضرورية. كل شيء يُقال بالصمت، بالنظر، بخفقة الماء، وبصوت الريح التي تمشط شعرك بحنان.

إنه مشهد من طمأنينة، من الحنين، من حب لا يحتاج تفسيرًا… فقط أن تكون فيه، وتترك قلبك يبحر
كريم البيضاني